TL;DR

  • الاستمرارية مقابل الفجوة: جادل تشارلز داروين بوجود استمرارية بين عقول الحيوانات والبشر، بينما أصر رينيه ديكارت على أن الحيوانات تفتقر إلى التفكير الحقيقي. تكشف الأبحاث الحديثة عن طيف من القدرات المعرفية.
  • أنظمة الذاكرة: تمتلك جميع الحيوانات ذاكرة إجرائية (مهارات). يظهر العديد منها معرفة شبيهة بالمعرفة الدلالية (حقائق). بعض الحيوانات، مثل طيور الجاي القيقية والحبار، تظهر ذاكرة شبيهة بالذاكرة العرضية، حيث تتذكر “ماذا، أين، ومتى” الأحداث الماضية.
  • الفرق البشري: تتميز الذاكرة البشرية بالوعي الذاتي (استرجاع ذاتي الوعي)، وهيكل سردي معقد، وترميز رمزي من خلال اللغة، مما يتيح سفرًا ذهنيًا أكثر ثراءً عبر الزمن ومحاكاة المستقبل.
  • الذات السردية: ينسج البشر تجاربهم في سرد ذاتي، وهي ميزة رئيسية غائبة إلى حد كبير في الأنواع الأخرى. نحن لا نتذكر الأحداث فقط؛ بل نتذكر أنفسنا ونحن نتذكر، وهو أمر أساسي لهويتنا وثقافتنا.

المقدمة: من استمرارية داروين إلى فجوة ديكارت#

في القرن التاسع عشر، قدم اثنان من المفكرين البارزين وجهات نظر مختلفة بشكل صارخ حول عقول الحيوانات. لاحظ تشارلز داروين استمرارية بين البشر والحيوانات الأخرى، مؤكدًا “أنه لا يوجد فرق جوهري بين الإنسان والثدييات العليا في قدراتهم العقلية.” 1 من العواطف إلى الذاكرة، رأى داروين اختلافات في الدرجة، وليس في النوع – طيف طبيعي من القدرات المعرفية التي شكلتها التطور. في المقابل، رسم رينيه ديكارت خطًا فاصلًا حادًا. جادل ديكارت بأن الحيوانات هي آلات: تفتقر إلى العقل، وربما حتى الوعي. اقترح بشكل مشهور “اختبار اللغة” للتفكير: نظرًا لأن الحيوانات لا تستخدم اللغة الحقيقية، فقد اعتبرها خالية من الذكاء الحقيقي. في كلماته، الكلام التصريحي هو “العلامة الوحيدة المؤكدة على الفكر المخفي في الجسم” 2، وعدم قدرة الحيوانات على التحدث “يمكن تفسيره فقط من حيث افتقار الحيوانات إلى التفكير.” 3 بالنسبة لديكارت، قد تدرك الحيوانات وتتفاعل، لكنها لم تكن تتذكر وتفكر بالمعنى البشري – كان سلوكها يشبه الآلة. موقف داروين يشير إلى أن أنظمة الذاكرة لدينا نشأت من أسلاف الحيوانات؛ وجهة نظر ديكارت تشير إلى فجوة نوعية.

تقدم سريعًا إلى اليوم، وقد أثبتت أبحاث الإدراك المقارن إلى حد كبير صحة حدس داروين حول الاستمرارية – لكنها كشفت أيضًا عن ميزات فريدة للعقل البشري. تظهر الحيوانات من طيور الجاي القيقية إلى الأخطبوطات قدرات ذاكرة مذهلة، مما يطمس الخط الذي كان يُعتقد أنه حاد. ومع ذلك، يبدو أن بعض جوانب الذاكرة – مثل إعادة تجربة الماضي بوعي أو بناء الذات السردية – تصل إلى التعبير الكامل فقط في البشر. في هذا المنشور، نتعمق في الذاكرة عبر الأنواع: كيف تتذكر الطيور، الثدييات، رأسيات الأرجل، والحشرات، وما الذي يجعل الذاكرة البشرية مميزة (إن وجدت)؟ سنستكشف أنواعًا مختلفة من الذاكرة (المهارات الإجرائية، الحقائق الدلالية، الأحداث العرضية)، القدرات المعرفية (الاسترجاع، التخطيط المستقبلي، اللغة)، والركائز العصبية التي تدعمها. على طول الطريق، سنرى كيف تتذكر طيور الجاي القيقية مخابئ طعامها، وكيف يتحدى الحبار الشيخوخة بذكريات سليمة، ولماذا قد تكون قدرتك على سرد قصص عن حياتك حاجزًا معرفيًا مميزًا.

أنظمة الذاكرة عبر الأنواع: إجرائية، دلالية، عرضية#

تشكل جميع الأنظمة العصبية القادرة على التعلم ذكريات، لكن ليست كل الذكريات متساوية. يصنف علماء النفس الذاكرة إلى أنظمة متعددة: الذاكرة الإجرائية للمهارات والعادات، الذاكرة الدلالية للحقائق والمعرفة العامة، والذاكرة العرضية للأحداث التي تم تجربتها شخصيًا. يقارن الجدول أدناه بين هذه الأنواع من الذاكرة عبر البشر وعدة مجموعات حيوانية:

نوع الذاكرةالبشر (Homo sapiens)الثدييات الأخرى (مثل الفئران، القردة)الطيور (مثل الغربان)رأسيات الأرجل (مثل الأخطبوط، الحبار)الحشرات (مثل النحل)
إجرائية (المهارات، العادات)نعم – متطورة للغاية (استخدام الأدوات، تسلسلات معقدة)نعم – موجودة على نطاق واسع (مثل الفئران التي تتعلم المتاهات، القرود التي تستخدم الأدوات)نعم – موجودة (الطيور تتعلم الأغاني، مناورات الطيران، روتين التخزين)نعم – موجودة (الأخطبوط يفتح الجرار، تكتيكات الهروب المكتسبة)نعم – موجودة (النحل يتعلم مسارات الطيران، الأنماط)
دلالية (الحقائق، المفاهيم)نعم – معرفة مجردة غنية (اللغة، المفاهيم، الخرائط)جزئي – بعض المعرفة العامة (مثل القرود التي تفهم الفئات؛ الفئران التي تتعلم القواعد)جزئي – بعض التعلم الحقائقي (مثل الطيور التي تتعلم ما هي الأطعمة الصالحة للأكل 4، تفهم المفاهيم البسيطة)محدود – ارتباطات بسيطة (مثل الحبار الذي يتعلم ما هي الفريسة التي يجب صيدها ومتى)محدود – ارتباطات بسيطة (مثل النحل الذي يتعلم المعالم والروائح للحصول على الطعام)
عرضية (الأحداث الفريدة “ماذا-أين-متى”)نعم – ذكريات سيرة ذاتية حية مع استرجاع ذاتي الوعيقيد النقاش – دليل على ذاكرة شبيهة بالعرضية في بعض الأنواع (مثل الفئران التي تتذكر تفاصيل الأحداث 5 6؛ القردة التي تتذكر الخيارات السابقة)، لكن من غير المؤكد إذا كانت مصحوبة بوعي ذاتينعم (شبيهة بالعرضية) – مثل طيور الجاي القيقية التي تتذكر ما الطعام الذي خبأته، أين ومتى 7؛ الطيور الأخرى (الغربان، الحمام) تتذكر التفاصيل المكانية أو الزمنية؛ من المحتمل أن تفتقر إلى الوعي الذاتي الكاملنعم (شبيهة بالعرضية) – مثل الحبار الذي يتذكر ماذا/أين/متى الوجبات السابقة 8 9؛ الأخطبوطات تتذكر أحداث المهام المحددة؛ لا يوجد دليل على “السفر عبر الزمن” الذاتيحد أدنى – لم يتم إثبات ذاكرة الأحداث المعقدة بشكل جيد (على الرغم من أن النحل يمكن أن يتذكر متى كان مصدر الرحيق مجزيًا آخر مرة في دورة اليوم في بعض التجارب)

الذكريات الإجرائية هي الأقدم تطوريًا وتوجد في جميع هذه المجموعات. إذا رأيت كلبًا يمسك كرة بمهارة أو نحلة تتنقل عائدة إلى خليتها، فقد رأيت ذاكرة إجرائية قيد العمل. يتم تعلم هذه المهارات من خلال التكرار وتخزينها خارج الاسترجاع الواعي – تمامًا مثل كيفية تعلم البشر ركوب الدراجة أو الكتابة على لوحة المفاتيح. من الأخطبوطات التي تحل المتاهات إلى النحل الذي يتعلم ربط الألوان بالطعام، التعلم الإجرائي موجود في كل مكان. تتعامل العقد القاعدية والمخيخ مع الكثير من هذا في البشر؛ تمتلك الحيوانات الأخرى دوائرها الخاصة (مثل الفص الجذعي في الأخطبوطات، أو الأجسام الفطرية في أدمغة الحشرات) المخصصة لتعلم العادات.

الذاكرة الدلالية – تخزين الحقائق والمعرفة العامة – أصعب في التحقق في الحيوانات، ومع ذلك يظهر العديد منها بداياتها. الشمبانزي الذي يعرف أي النباتات طبية، أو طائر الجاي القيقية الذي “يعرف” أن الديدان التي تُترك لفترة طويلة ستفسد، يظهر معرفة تتجاوز مجرد رد الفعل. غالبًا ما تجمع الحيوانات معرفة حقائقية عن عالمها: على سبيل المثال، تتعلم طيور الجاي القيقية أن الطعام القابل للتلف (الديدان الشمعية) يجب أن يؤكل قبل أن يفسد 7؛ تتعلم الفئران “قواعد” ألغاز المتاهات؛ ويمكن للببغاوات تعلم تسميات للأشياء والمفاهيم (تعلم ببغاء رمادي أفريقي مشهور، أليكس، كلمات ومفاهيم أساسية مثل اللون والشكل – مما يعتبر مخزنًا شبيهًا بالذاكرة الدلالية للمعلومات). بالطبع، يتفوق البشر في الذاكرة الدلالية – من المفردات إلى الحقائق التاريخية – بفضل اللغة جزئيًا. نحن أيضًا نضغط التجربة في مفاهيم مجردة (على سبيل المثال، تعلم مفهوم “الطعام” أو “الخطر” العام من الحالات). تمتلك الحيوانات الأخرى شبكات دلالية أبسط (على سبيل المثال، ذاكرة الطائر عن المواقع التي تحتوي باستمرار على الطعام قد تُعتبر خريطة حقائقية لإقليمه). لاحظ داروين أن حتى “الحيوانات الدنيا” تشاركنا حواسنا الأساسية وحدسنا 1 – يمكن للطائر أو القطة أن تفهم ما هو الشيء (صالح للأكل، خطير، جديد) وتتصرف بناءً على تلك المعرفة. ومع ذلك، يحمل البشر هذا إلى مستوى آخر، حيث ينظمون شبكات واسعة من المفاهيم ويتواصلون بها ثقافيًا.

الذاكرة العرضية، القدرة على تذكر أحداث محددة في الماضي (الـ"ماذا، أين، ومتى" من التجربة)، كان يُعتقد لفترة طويلة أنها فريدة للبشر 10. جادل إندل تولفينغ، الذي صاغ المصطلح، بأن الذاكرة العرضية الحقيقية تتطلب وعيًا ذاتيًا – إحساسًا بالذات يسافر عقليًا عبر الزمن لإعادة تجربة الماضي 11. نحن لا نتذكر فقط ما حدث، بل نتذكر أننا نحن أنفسنا جربناه، مع شعور بإعادة العيش. هل يمكن للحيوانات فعل ذلك؟ لا يمكننا إجراء مقابلة مع طائر الجاي القيقية حول ذكريات طفولته، لكن التجارب الذكية تشير إلى أن بعض الحيوانات تشكل “ذكريات شبيهة بالعرضية”.

طائر الجاي القيقية الغربي (Aphelocoma californica) يخزن الفول السوداني. تظهر التجارب أن هذه الطيور تتذكر ما الطعام الذي خبأته، أين خبأته، وكم من الوقت تم تخزينه – ثلاثية من التفاصيل تشبه الذاكرة العرضية البشرية 7. تتجنب طيور الجاي القيقية حتى استرجاع الطعام القابل للتلف مثل الديدان إذا مرت فترة طويلة، مما يشير إلى إحساس بـ"متى" حدثت الأحداث. 10 7

أظهرت الأبحاث الرائدة التي أجراها كلايتون وديكنسون (1998) ذاكرة شبيهة بالعرضية في طائر الجاي القيقية الغربي، وهو غراب يخزن الطعام. سُمح للطيور بإخفاء نوعين من الطعام في صواني مملوءة بالرمل: ديدان الشمع اللذيذة (التي تتعفن بسرعة) والفول السوداني العادي (الذي يبقى طازجًا). بحثت الطيور لاحقًا عن مخابئها. بشكل ملحوظ، تذكرت الطيور أي المواقع تحتوي على الديدان مقابل المكسرات وكم من الوقت مضى على إخفائها – بعد تأخير قصير بحثت بشكل تفضيلي عن الديدان (المفضلة لديها)، ولكن بعد تأخير أطول (عندما تكون الديدان قد تعفنت) تجاوزت مواقع الديدان وذهبت إلى الفول السوداني 7. يظهر هذا السلوك أن الطيور تذكرت ما دفنته، أين كان كل عنصر، ومتى (أو كم من الوقت مضى) تم تخزينه. بعبارة أخرى، استرجعت حدثًا محددًا في الماضي (“لقد خبأت دودة في الرمل تحت الشجيرة قبل 5 أيام”) وتصرفت وفقًا لذلك. تفي هذه الذاكرة المتكاملة لما-أين-متى بمعايير السلوك للذاكرة العرضية، بدون لغة أو سرد بشري. تتذكر طيور الجاي القيقية أيضًا من كان يراقبها أثناء التخزين وستعيد إخفاء الطعام لاحقًا لمنع السرقة، مما يشير إلى أنها تتذكر “حلقة” المراقبة وتعدل استراتيجيتها – تعقيد مثير للإعجاب يشير إلى ذاكرة للسياق الاجتماعي للأحداث 12 13.

ليست طيور الجاي القيقية وحدها. كشفت الدراسات في القوارض أيضًا عن قدرات ذاكرة شبيهة بالعرضية. على سبيل المثال، أظهرت التجارب أن الفئران يمكن أن تتذكر مجموعات من ما حدث، أين، وفي أي سياق – إذا تم إعطاؤها تجارب مميزة لتتذكرها. في إحدى الدراسات، واجهت الفئران نكهات مختلفة من الطعام (مثل ماء الكرز مقابل ماء الموز) في مواقع مختلفة، في غرف ذات روائح مميزة (سياقات). لاحقًا، تمكنت من تذكر أي نكهة تناولتها في غرفة ومكان معينين، مما يشير إلى ذاكرة متكاملة للحدث. ومن الجدير بالذكر أن هذه الذكريات في الفئران مرنة وطويلة الأمد: وجدت بروتوكول واحد أن الفئران يمكن أن تتذكر تفاصيل “ما-أين-أي” لمدة 24 يومًا على الأقل 5. علاوة على ذلك، عندما قام العلماء بتعطيل مؤقت للحُصين الظهري للفئران (المنطقة الدماغية الحاسمة للذاكرة العرضية في الثدييات)، فقدت الفئران القدرة على استرجاع ذاكرة الحدث المجمعة 6. يشير هذا إلى أن الحُصين في الفئران يلعب دورًا مشابهًا للحُصين البشري في ربط عناصر الحدث (الأشخاص الذين يعانون من تلف ثنائي في الحُصين، مثل المريض H.M. الشهير، لا يمكنهم تشكيل ذكريات عرضية جديدة 14 15). لذا، في حين أن “حلقة” الفأر (مثل تذكر جولة متاهة فريدة حيث وجد الشوكولاتة على اليسار في غرفة برائحة الصنوبر) أبسط بكثير من ذاكرة السيرة الذاتية البشرية، إلا أنها تشغل آلية عصبية مماثلة وتؤدي وظيفة مشابهة – توجيه السلوك المستقبلي بناءً على الأحداث الماضية.

حتى اللافقاريات أظهرت بريقًا من الذاكرة الشبيهة بالعرضية. أظهرت الأبحاث الحديثة على الحبار – رأسيات الأرجل الذكية بشكل ملحوظ – أنها تتذكر تجاربها بتفاصيل مثيرة للإعجاب. تم تدريب الحبار في تجربة على توقع نوعين مختلفين من الطعام (مثل الجمبري مقابل السلطعون) في موقعين مختلفين، مع توفر كل نوع من الطعام فقط بعد تأخير معين. لاحقًا، يمكن للحبار اختيار أين يذهب لتناول العشاء: تذكر ما أكله آخر مرة، أين سيظهر كل نوع من الطعام، ومتى سيكون متاحًا مرة أخرى 8 16. في الواقع، يستخدم الحبار هذه الذاكرة للتخطيط: إذا علم أن الجمبري (المفضل) سيكون متاحًا في الموقع A في المساء، فقد يأكل أقل من السلطعون في الموقع B في فترة الظهيرة – قرار موجه نحو المستقبل. بشكل مذهل، على عكس البشر، لا يبدو أن الحبار ينسى هذه الذكريات الحدثية مع التقدم في العمر: كان الحبار القديم (المعادل للبشر في سن 90 عامًا) جيدًا مثل الحبار الصغير في تذكر تفاصيل ما-أين-متى 16 17. يتكهن العلماء بأن هذا قد يكون لأن الفص العمودي للحبار (المنطقة الدماغية للذاكرة، التي تعمل بشكل مشابه لوظيفتنا في الحُصين) لا يتدهور حتى النهاية القصوى لعمره القصير 9. تطوريًا، نظرًا لأن الحبار يتكاثر في وقت متأخر من الحياة، فإن الاحتفاظ بذاكرة حادة حتى الأيام الأخيرة قد يساعده في تذكر الأزواج وزيادة النجاح التناسلي 18.

ومع ذلك، فإن وصف هذه الذكريات الحيوانية بأنها “عرضية” مثير للجدل. احتفظ تولفينغ بمصطلح الذاكرة العرضية للنوع البشري، المغمور بالوقت الذاتي والوعي الذاتي – ما أسماه الوعي الذاتي 11. يُستخدم مصطلح “الذاكرة الشبيهة بالعرضية” للحيوانات لتجنب افتراض أنها تعيش الماضي عقليًا بالطريقة التي نفعلها 10. يتذكر طائر الجاي القيقية حقائق الحدث (الدودة، المخزنة في التراب، قبل 5 أيام) ويستخدمها، لكننا لا نعرف إذا كان “يشعر” بأنه يتذكر تلك التجربة. قد يكون يسترجع المعلومات دون أي “تجربة استرجاع” أو إعادة تشغيل ذهني. وبالمثل، قد يحل الفأر لغز ما-أين-متى من خلال الألفة أو القواعد المكتسبة، وليس من خلال استرجاع عقلي لوجبة معينة في المختبر. لا يمكن للمعايير السلوكية أن تجيب بشكل كامل عما إذا كانت الحيوانات تختبر الذاكرة بالطريقة التي يفعلها البشر. كما قال زوج من الباحثين، على الرغم من العديد من الدراسات، “لا يوجد حتى الآن دليل مقنع على السفر عبر الزمن العقلي في الحيوانات غير البشرية.” 19 يجادل المشككون مثل عالم النفس توماس سودندورف بأن الحيوانات قد تخزن تفاصيل الأحداث الماضية، لكن إعادة عيشها أو تخيل السيناريوهات المستقبلية (الجانب الآخر من السفر عبر الزمن العقلي) قد يكون فريدًا للبشر 20. سنعود إلى هذا النقاش عند مقارنة التخطيط المستقبلي.

باختصار، الحيوانات بوضوح تتذكر – غالبًا بطرق معقدة تشبه أنظمة الذاكرة البشرية. لكن ما إذا كان طائر الجاي القيقية يتذكر بمعنى استرجاع بوعي “لقد فعلت ذلك”, أو مجرد استرجاع معقد، يبقى مفتوحًا. بعد ذلك، ننظر إلى القدرات المعرفية المحددة المرتبطة بالذاكرة – وكيف تتراكم بين البشر والأنواع الأخرى.

القدرات المعرفية: الاسترجاع، محاكاة المستقبل، ودعم اللغة#

الذاكرة ليست مجرد مستودع ثابت للمعلومات؛ إنها تدعم القدرات العقلية الديناميكية. ثلاث إنجازات معرفية رئيسية مرتبطة بالذاكرة المتقدمة هي: الاسترجاع (الاسترجاع الواعي للأحداث الماضية، غالبًا بتفاصيل غنية)، محاكاة المستقبل (تخيل أو التخطيط للسيناريوهات المستقبلية باستخدام الذاكرة كنقطة انطلاق)، والترميز القائم على اللغة (استخدام الرموز والسرد لتنظيم الذكريات). كيف تتعامل الحيوانات في هذه المجالات مقارنة بنا؟

لتوضيح الاختلافات، انظر الجدول أدناه:

القدرة المعرفيةالبشر (H. sapiens ذاتي التفكير)الحيوانات غير البشرية (أنماط عامة)
استرجاع الأحداث الماضية
“السفر عبر الزمن العقلي” الواعي لإعادة عيش الحلقات الماضية
نعم – البشر يسترجعون التجارب بشكل حي مع إحساس بالذات في الزمن. نحن لا نعرف فقط ما حدث، بل نتذكر “كنت هناك”, مع سياق غني، وعاطفة، ومعرفة أن الحدث جزء من تاريخنا الشخصي. يتيح لنا هذا الاسترجاع الذاتي استخراج الدروس وتشكيل هوية سردية.محدود – تتذكر العديد من الحيوانات الأحداث الماضية، لكن من غير الواضح إذا كانت تسترجع بوعي بالمعنى البشري. تظهر استرجاع شبيه بالعرضية (مثل طيور الجاي، الفئران، القردة تتذكر تفاصيل ما-أين-متى)، لكنها من المحتمل أن تفتقر إلى الوعي الذاتي 11. قد يتذكر القرد أين كان الطعام، أو حتى أنه جرب شيئًا جديدًا، لكن ليس لدينا دليل على أنه “يسافر عبر الزمن عقليًا” بوعي شخصي. يبدو أن استرجاع الحيوانات مدفوع بشكل كبير بالإشارات المحفزة والارتباطات المكتسبة، وليس بإعادة العيش التأملية.
محاكاة المستقبل والتخطيط
تصور والاستعداد للاحتياجات المستقبلية
نعم – يتفوق البشر في التبصر. نحن نخطط لعقود قادمة، نتخيل السيناريوهات الافتراضية، ونستعد وفقًا لذلك (الادخار للتقاعد، اختراع الأدوات للمهام المستقبلية). يعتمد هذا على إعادة تركيب الذاكرة المرنة – نستخدم الذاكرة العرضية لمحاكاة المستقبلات الممكنة. يعمل القشرة الجبهية لدينا مع الحُصين لتمكين هذا “السفر عبر الزمن العقلي” إلى المستقبل.جزئي – تظهر بعض الحيوانات سلوكيات موجهة نحو المستقبل، ولكن عادة في سياقات ضيقة. على سبيل المثال، تخزن طيور الجاي القيقية الطعام لجوع الغد 21، وستحمل القردة العظيمة أداة ستحتاجها لاحقًا (مثل البحث عن الطعام بعصا بعد ساعات). تظهر هذه السلوكيات التخطيط للاحتياجات المستقبلية، لكنها قد تكون محدودة بدوافع محددة (مثل الجوع) وتفتقر إلى اتساع التبصر البشري. تجد مراجعات الأبحاث لا دليل قاطع على أن الحيوانات تحاكي الأحداث المستقبلية خارج سياق تدريبها 19. يخططون بطرق “هنا والآن” (للوجبة التالية أو فرصة التزاوج) لكنهم لا يبتكرون خططًا طويلة الأجل أو اختراعات منفصلة عن السياقات الفورية. من الجدير بالذكر أنه لا حيوان يبني حساب توفير أو يرسم مخططًا معماريًا للعام المقبل – تخطيطهم المستقبلي، رغم حقيقته، مرتبط بالسيناريوهات الغريزية.
اللغة ودعم السرد
استخدام الرموز لترميز واسترجاع الذكريات
نعم – اللغة هي مضاعف للذاكرة للبشر. نحن نرميز التجارب بالكلمات، نشاركها كقصص، ونخزن المعلومات خارج أدمغتنا (الكتب، اليوميات، الوسائط الرقمية). تتيح اللغة ضغطًا رمزيًا للذاكرة: “كل ثراء التجربة البشرية مكثف في تسلسل خطي من الكلمات.” 22 مع الكلام الداخلي، يمكننا تكرار وتنظيم الذكريات (“ذهبت إلى هناك بالأمس وكان مخيفًا”). يتيح التفكير السردي لنا ربط الأحداث في قصص سببية (“لأن X حدث، فعلت Y”). هذا الدعم يوسع بشكل كبير من قدرة ووضوح ذاكرتنا – يمكننا أن نتذكر مفاهيميًا وليس فقط تجريبيًا. كما يتيح الذاكرة الثقافية: نتعلم عن الأحداث التي لم نختبرها من خلال قصص الآخرين.لا (لغة حقيقية) – تفتقر الحيوانات إلى اللغة المعقدة، لذا لا يمكنها سرد أو تسمية الذكريات بالطريقة الغنية التي نفعلها. تمتلك بعض الأنواع تواصلًا بدائيًا (نداءات الإنذار، الإيماءات) ويمكن لبعض الأفراد (مثل القردة المدربة، الببغاوات) تعلم تسميات رمزية للأشياء أو الأفعال. لكنهم لا يصفون بشكل إبداعي الأحداث الماضية أو ينقلون معلومات مفصلة عن الأشياء الغائبة. بدون لغة، ترتبط ذاكرة الحيوانات بالسياق والإشارات – لا يتم تخزينها خارجيًا في سرديات أو أرشيفات. لا يوجد دليل على أن الدلفين يسترجع “السمكة الكبيرة التي هربت بالأمس” في شكل سردي منظم. وبالتالي، من المحتمل أن تفتقر الحيوانات إلى التنظيم السردي الذي نستخدمه. عقولنا، المدعومة باللغة، يمكنها تجميع وتنقيح الذكريات؛ تتذكر الحيوانات بشكل رئيسي في اللحظة وفي شكلها الحسي الخام.

دعونا نتعمق قليلاً في كل قدرة:

الاسترجاع والوعي الذاتي#

الاسترجاع البشري هو مزيج غني: عندما تتذكر عيد ميلادك الأخير بشكل حي، تعيد تجربة المشهد البصري، الأصوات، وربما حتى رائحة الكعكة، إلى جانب شعور أساسي بـ “هذا حدث لي في ذلك الوقت.” هذا الجانب الذاتي – الوعي الذاتي – هو ما اعتبره تولفينغ علامة الذاكرة العرضية الحقيقية 11. إنه يعطي الشعور باستمرارية الذات: أنا نفس الشخص الذي كان لديه حفلة عيد الميلاد الخامسة والذي يكتب هذه الكلمات الآن. يتيح لنا الوعي الذاتي أيضًا التفكير في ذكرياتنا (“ألم يكن ذلك مضحكًا؟” أو “أتمنى لو كان ذلك قد حدث بشكل مختلف…")، ودمجها في سرد ذاتي. لم تظهر أي حيوان غير بشري وعيًا ذاتيًا لا لبس فيه. لا يمكننا أن نعرف على وجه اليقين ما يشعر به الفيل أو الغراب عند التذكر – الخصوصية هي خاصة. ومع ذلك، على الرغم من الاسترجاع الشبيه بالعرضية المثير للإعجاب في الحيوانات، لم ير الباحثون أي دليل سلوكي على السفر عبر الزمن الواعي. على سبيل المثال، يمكن لطائر الجاي القيقية استرجاع تفاصيل حدث ماضٍ، لكنه لا يشير أبدًا إلى التعرف على نفسه في ذلك الماضي (على النقيض، يمكن للطفل البشري بحلول سن الرابعة غالبًا أن يعبر عن “أتذكر أنا فعلت ذلك”). القردة العظيمة، التي تجتاز اختبارات التعرف على الذات في المرآة (مما يشير إلى بعض الوعي الذاتي)، لديها ذاكرة جيدة – ومع ذلك لم تظهر حتى الآن علامات واضحة على الاسترجاع الذاتي للخبرات الماضية. يقترح بعض علماء الإدراك أن الحيوانات قد تمتلك “ذاكرة غير واعية” أو “ذاكرة واعية” – تعرف أن الأحداث حدثت (ويمكنها استخدام المعرفة)، لكنها لا تعيد عيشها عقليًا بوعي ذاتي 23. باختصار، يبدو أن الاسترجاع في الحيوانات هو محتوى بدون سياق شخصي.

من المثير للاهتمام، أن هناك نقاشًا مستمرًا: هل الوعي الذاتي حقًا سمة فريدة للبشر، أم يمكن أن يوجد بدرجات؟ على سبيل المثال، هل تتذكر الشمبانزي بطريقة الشخص الأول، لكنها لا تستطيع التواصل بذلك؟ لا نملك إجابات واضحة حتى الآن، لكن الرأي السائد (نوعًا ما “ديكارتي” في الروح) هو أن الاسترجاع الذاتي الكامل متطور بشكل فريد في البشر 24. قد يكون ذلك مرتبطًا بموضوعنا التالي: تخيل المستقبل.

السفر عبر الزمن العقلي: هل تخطط الحيوانات للمستقبل أم تتصرف فقط؟#

تعتبر القدرة على استخدام الذاكرة لـ محاكاة المستقبل تغييرًا كبيرًا في اللعبة للبشر. صاغ إندل تولفينغ مصطلح “الكرونستيزيا” لإحساسنا بالزمن الذاتي، والذي يشمل التبصر. نحن نقيم باستمرار الاحتمالات المستقبلية (“إذا فعلت X، فقد يحدث Y”), مما يتطلب الاستفادة من التجارب الماضية وإعادة تركيبها بطرق جديدة. يجد علماء الأعصاب أن تصور المستقبل ينشط مناطق دماغية مشابهة (الحُصين، الفصوص الجبهية) كما هو الحال في تذكر الماضي – مما يدعم فكرة أن الوظيفة الأساسية للذاكرة العرضية قد تكون لتمكين التبصر 25. يمكن للبشر تخيل نتائج لم تحدث أبدًا (مثل اختراع أداة جديدة في العقل، أو التخيل حول عطلة العام المقبل)، مما يظهر مرونة.

ماذا عن الحيوانات؟ من ناحية، يبدو أن العديد من الحيوانات عالقة في الحاضر – تركز على الاحتياجات الفورية. لكن الأبحاث كشفت عن جيوب من التخطيط. الطيور هي مثال رئيسي: لا تتذكر طيور الجاي القيقية فقط مخابئها السابقة، بل تخطط أيضًا لمخابئ جديدة. في إحدى التجارب، تم الاحتفاظ بالطيور طوال الليل في غرفة بدون إفطار، ثم لوحظت وهي تخزن طعامًا إضافيًا في تلك الغرفة مسبقًا, كما لو كانت تتوقع الجوع في صباح الغد 21. يشير هذا إلى أنها لا تتفاعل فقط من العادة – يمكنها التخطيط لحالة دافعية مستقبلية (الجوع المستقبلي), وهو معيار رئيسي للتبصر في الحيوانات. وبالمثل، أظهرت القردة العظيمة أنها تحتفظ بالأدوات لمهمة مستقبلية. أظهرت دراسة شهيرة أن الشمبانزي يختار أداة في المساء ستكون مطلوبة للحصول على مكافأة في صباح اليوم التالي؛ اختار العديد من الشمبانزي الأداة الصحيحة مسبقًا، بدلاً من مكافأة فورية – مما يشير إلى أنها يمكن أن تقمع “الرغبات الحالية” لهدف مستقبلي.

ومع ذلك، قد تعتمد هذه الأمثلة، رغم أنها مثيرة للإعجاب، على تدريب أو سياقات محددة. راجع سودندورف وكورباليس (2007) مثل هذه الدراسات وجادلا بأن الحيوانات لا تظهر دليلًا على السفر عبر الزمن العقلي المرن، عبر المجالات 19 20. بعبارة أخرى، بينما يخطط الطائر للطعام والقرد للأداة، كل حالة ضيقة – لا يستخدمون بعد ذلك هذا التبصر، على سبيل المثال، لتخطيط التحالفات الاجتماعية أو ابتكار حلول جديدة خارج تجاربهم الفورية. البشر، على النقيض، يمكنهم تطبيق الخيال على أي مجال (يمكننا التخطيط لزي لحفلة أو وضع استراتيجية للعبة تعلمناها للتو). يميل استخدام الحيوانات للمستقبل إلى أن يكون مرتبطًا بالاحتياجات البيولوجية المهمة (الطعام، التزاوج، المأوى) وقد يُجادل حتى كأشكال متقدمة من السلوك المكتسب بدلاً من “بناء المشاهد” في العقل.

فرضية واحدة هي أن الحيوانات قد تمتلك “ذاكرة شبيهة بالذاكرة العرضية” وحتى “توقعات شبيهة بالمستقبل” ولكنها تفتقر إلى القدرة الشاملة على استخدامها بحرية خارج السياقات التي واجهتها بشكل محدد. زاوية أخرى: ربما بعض الحيوانات تحاكي سيناريوهات مستقبلية ولكن على نطاق زمني قصير – مثل مفترس يتصور بضع ثوانٍ مسبقًا كيفية نصب كمين لفريسة (امتداد للإدراك، وليس خطة صريحة للأسبوع المقبل). باختصار، بينما توجد بذور الاستبصار في المملكة الحيوانية، البشر أخذوها إلى مستوى آخر. هذا يتماشى مع فكرة داروين عن الدرجة مقابل النوع: التخطيط موجود بدرجات عبر الأنواع، ولكن في مرحلة ما، التحسينات التراكمية (الذاكرة، التفكير، الوعي الذاتي) أعطت البشر قفزة نوعية – نحن لا نخطط فقط، بل نخطط للتخطيط، نخبر الآخرين عن خططنا، ونتخيل مستقبلاً لا يتحقق أبدًا (مثل العوالم الخيالية في الخيال العلمي!).

اللغة: تقنية الذاكرة النهائية#

إذا كنت قد اضطررت يومًا إلى حفظ شيء معقد، فقد تكون حولته إلى كلمات أو قصة. هذا ليس صدفة – اللغة مرتبطة بعمق بكيفية تذكرنا وتفكيرنا. يمكن للمرء أن يقول، للتلاعب بعبارة جذابة، أن اللغة هي السقالة للعقل 26 22. بمجرد أن اكتسب البشر اللغة، لم تعد ذاكرتنا محصورة بما يمكن أن يحتفظ به دماغ واحد. تتيح لنا الكلمات ترميز الأفكار المجردة (مثل “العدالة” أو “التطور”) التي لا يمكن لأي حيوان، مهما كان ذكيًا، أن يفهمها بالكامل لأنها تتطلب تفكيرًا رمزيًا يتجاوز الإدراك هنا والآن. نستخدم السرد الداخلي (“الحديث الذاتي”) لتعزيز الذكريات: مثل تكرار اسم أو تلخيص حدث (“لذلك بشكل أساسي، حدث هذا…”). كما نقوم بتخزين الذاكرة خارجيًا من خلال السرد الشفهي، والكتابة، والآن الوسائط الرقمية – مما يخلق نظامًا معرفيًا موزعًا يتجاوز حدودنا البيولوجية.

الحيوانات، التي تفتقر إلى اللغة الحقيقية، لديها ترميز أكثر فقرًا. ذكرياتهم غنية بالتفاصيل الحسية الحركية – يتذكر الغراب رؤية جسم لامع، والشعور بمكان الاختباء – لكنهم لا يخصصون علامات لغوية مثل (“قطعة نقودي اللامعة في الشق الثالث على اليسار”). الأطفال البشر، عندما يكتسبون اللغة، يظهرون زيادة في قدرات الذاكرة، خاصة للذكريات الذاتية – يلاحظ علماء النفس أن ذكرياتنا القابلة للاسترجاع الأولى تتزامن عادة مع تطور اللغة (لدينا تذكر ضئيل للطفولة، عندما لم يكن لدينا لغة). هذا يشير إلى أن اللغة تساعد في استقرار وتنظيم الذكريات.

علاوة على ذلك، بناء السرد – ربط الأحداث في قصة مع روابط سببية – هو هواية إنسانية فريدة. نحن لا نتذكر فقط أجزاء عشوائية؛ نحن ننسجها في معنى. يمكن تذكر نفس الحدث بشكل مختلف اعتمادًا على القصة التي نرويها لأنفسنا عنه. من المحتمل أن تساهم هذه القدرة السردية في تخطيطنا (نقوم بتشغيل “قصص” في رؤوسنا عن المستقبلات المحتملة) وحتى تماسكنا الاجتماعي (القصص المشتركة للتاريخ، الثقافة). لا يوجد دليل على أن دلفينًا أو كلبًا يمكن أن يشكل سردًا معقدًا مع حبكة وشخصيات، حتى داخليًا. قد يكون لديهم تسلسل من الأفعال المتذكرة (قد يشعر فيدو بالحماس عند الاقتراب من حديقة لأنه يتذكر اللعب في المرة الأخيرة – لكن هذا سلسلة ارتباط بسيطة، وليس سردًا كاملًا مع بداية ووسط ونهاية يتأمل فيها فيدو).

لتقدير قوة اللغة على الذاكرة، فكر في هذا: ربما لا تتذكر كل وجبة تناولتها الشهر الماضي. كانت تلك حلقات حدثت لك، لكنها لم تُرمز إلى ذاكرة سردية أو دلالية (ما لم يحدث شيء خاص أثناء الوجبة). بدون أهمية سردية أو تكرار لفظي، تتلاشى التجارب بسرعة. في المقابل، قد تتذكر بوضوح قصة أخبرك بها صديق عن وجبته، لأن سردها حولها إلى معرفة قابلة للمشاركة. وهكذا، يمكن للغة أن تجعل تجارب الآخرين جزءًا من ذاكرتنا (من خلال القصص، نحمل “ذكريات عرضية غير مباشرة”). لا تستطيع الحيوانات فعل ذلك – ذاكرة كل حيوان تموت معه، باستثناء ما يمكن للآخرين تعلمه من خلال الملاحظة أو الغريزة الجينية. البشر لديهم ذاكرة ثقافية تراكمية بفضل اللغة.

باختصار، النظام البيئي المعرفي للذاكرة البشرية – التذكر، الاستبصار، السرد، التجريد – مدعوم بشكل كبير باللغة. هذا لا يعني أن الحيوانات لوحات فارغة بدونها (أدمغتهم لديها طرق أخرى لترميز واستخدام الذاكرة)، لكنه يعني أن هناك ثراء نوعيًا في معالجة الذاكرة البشرية يصعب تحقيقه بدون كلمات. إنه جزء من السبب الذي يجعل الطفل البشري، رغم ولادته عاجزًا، يمكنه في النهاية معرفة المزيد عن العالم من أي فيل حكيم قديم: نحن نقف على سقالة الذاكرة التي بناها من قبلنا، من خلال اللغة والقصة.

الركائز العصبية: أدمغة مختلفة، حلول متقاربة#

تعيش الذاكرة في الدماغ، لكن الأدمغة تأتي في العديد من الأنواع. أحد الجوانب المثيرة لمقارنة الأنواع هو رؤية كيف نفذت التطور “أنظمة الذاكرة” في أجهزة عصبية مختلفة. غالبًا ما نجد تشبيهات: هياكل ليست متجانسة تطوريًا (بسبب السلف المشترك) ولكنها تؤدي وظائف مماثلة بسبب التطور المتقارب. دعونا نقارن الركائز العصبية للذاكرة عبر بعض المجموعات:

الأنواع/المجموعةهياكل الذاكرة الرئيسيةملاحظات حول تنظيم الدماغ والذاكرة
البشر (وغيرهم من الرئيسيات)الحُصين (في الفص الصدغي الإنسي) – حاسم لتشكيل الذكريات العرضية والمكانية؛ القشرة الجديدة – تخزن المعرفة الدلالية والجوانب الموزعة للذكريات؛ اللوزة الدماغية – تعديل الذاكرة العاطفية؛ المخطط والمخيخ – التعلم الإجرائي؛ القشرة الجبهية الأمامية – الذاكرة العاملة والتحكم التنفيذي في استرجاع الذاكرة والتخطيط.الحُصين البشري يربط عناصر تجاربنا في حلقات متماسكة 6. يؤدي تلفه (كما في حالة H.M. 14) إلى فقدان الذاكرة التقدمي – عدم القدرة على تشكيل ذكريات عرضية جديدة. تسمح لنا القشرة البشرية (خاصة الفصوص الصدغية والجبهية) بتخزين واسترجاع التفاصيل واللغة والسرد. قشرتنا الجبهية الأمامية متطورة بشكل استثنائي، تدعم الاستراتيجية المعقدة والتلاعب بالذكريات (مثل التنظيم الزمني، الاستدلال).
الثدييات الأخرى (مثل القوارض، الكلاب، القرود)الحُصين – مهم بالمثل للذاكرة المكانية والشبيهة بالعرضية؛ القشرة الشمية وغيرها من المناطق الحسية – تخزن التفاصيل (مثل الروائح، الأنماط البصرية)؛ المخطط والمخيخ – التعلم الإجرائي (مثل عادات الجري في المتاهة)؛ المناطق الجبهية الأمامية (أقل تطورًا في غير الرئيسيات، أكثر في الرئيسيات) – بعض الذاكرة العاملة والتخطيط البسيط.تشترك الثدييات عمومًا في أنظمة الذاكرة “القياسية” المعروفة من الدراسات على الفئران والقرود. يحتوي التكوين الحُصيني في الفأر على خلايا مكانية وخلايا زمنية تشفر مكان وزمان حدوث الأحداث (حتى الفئران لديها خلايا عصبية تطلق النار لأماكن محددة متذكرة). إذا قمت بتعطيل الحُصين في الفأر، فلن يتمكن من تذكر مجموعات ماذا-أين-متى 6. تظهر الدراسات على القرود أنها يمكن أن تشكل ذكريات طويلة الأمد لما رأته من أشياء وأين، رغم أن قدرتها على تذكر متى أضعف 27 (واجهت قرود الريسوس صعوبة في مكون الترتيب الزمني للمهام الشبيهة بالعرضية). تمتلك الرئيسيات قشرة أكثر تطورًا تدعم تعميم الذاكرة بشكل أفضل وربما بعض بدايات السرد (رغم أنها ليست قائمة على اللغة).
الطيور (مثل الغربان، الحمام، العصافير)الحُصين الطيري (يقع في التلنسيفالون الإنسي) – ضروري للذاكرة المكانية واستعادة المخبأ؛ المناطق القشرية (النيوباليوم، الميزوباليوم) – يُعتقد أنها تؤدي وظائف معرفية أعلى مشابهة للقشرة؛ المخطط – تعلم الروتينات المحفزة للاستجابة (الإجرائية)؛ المخيخ – تعلم الحركات الدقيقة (مثل توقيت الأغنية).تختلف أدمغة الطيور في التخطيط (لا توجد قشرة جديدة ذات ست طبقات) ولكن لديها مناطق مماثلة وظيفيًا. يتيح الحُصين الطيري إنجازات مثل استعادة طائر كلاك نوتكركر لآلاف البذور المدفونة بعد شهور. الطيور التي تخزن الطعام لديها حجم حُصين أكبر نسبيًا لحجم الدماغ من الطيور التي لا تخزن، مما يبرز دوره في الذاكرة. تشفر الخلايا العصبية في الحُصين الطيري المواقع تمامًا كما تفعل خلايا المكان في الثدييات. تشير إحدى الدراسات حتى إلى ديناميات شبكة مماثلة للذاكرة في الطيور والثدييات 28. تمتلك الغربان (الطيور الغرابية) أدمغة كبيرة بالنسبة للطيور، مع مناطق قشرية متطورة تدعم حل المشكلات وربما بعض تعقيد ذاكرة الأحداث. من الجدير بالذكر أن دماغ الغراب، رغم أنه مختلف في التركيب، يحتوي على عدد من الخلايا العصبية مثل بعض أدمغة القرود 29 – تذكير بأن الأدمغة المختلفة يمكن أن تحقق قوة فكرية مماثلة.
الرخويات (الأخطبوط، الحبار)الفص العمودي – فص كبير في دماغ الأخطبوط والحبار مليء بالخلايا العصبية؛ إنه مركز التعلم والذاكرة (خاصة التعلم البصري واللمسي)؛ الفص الجبهي العلوي المتوسط (في الحبار يُطلق عليه أحيانًا “الفص الجبهي” النظير) – يشارك أيضًا في تخزين الذاكرة؛ الفصوص البصرية – الرؤية بشكل أساسي، ولكنها كبيرة وقد تخزن الأنماط البصرية (الأخطبوط لديه ذاكرة بصرية ممتازة).تطور دماغ الرخويات بشكل مستقل تمامًا عن الفقاريات، ومع ذلك فإن الأخطبوطات والحبار تقاربت في نظام ذاكرة. غالبًا ما يُقارن الفص العمودي في الأخطبوط بالحُصين الفقاري في الوظيفة: إذا تمت إزالته، يفقد الأخطبوط قدرته على تعلم مهام جديدة أو تذكرها. يحتوي على شبكة معقدة من الخلايا العصبية مع تقوية طويلة الأمد (تقوية المشابك) مشابهة لتلك الموجودة في دوائر الذاكرة الفقارية 30. يمتلك الحبار نظام فص عمودي يحتفظ بالذكريات حتى الشيخوخة 9. من المثير للاهتمام أن حيوانًا بتركيب دماغ مختلف تمامًا (موزع في فصوص متعددة حول المريء!) لا يزال يطور مركز ذاكرة مخصصًا لدمج المعلومات. تساهم الأجسام الفطرية (اسم مشابه محير ولكن هيكل مختلف عن الأجسام الفطرية للحشرات) في الأخطبوط أيضًا في التعلم. بشكل عام، توضح الرخويات أن الذاكرة المعقدة يمكن أن تنشأ في مخطط عصبي مختلف جذريًا – مثال على التطور المعرفي المتقارب.
الحشرات (النحل، النمل، إلخ)الأجسام الفطرية (MBs) – هياكل مزدوجة الساق والغطاء في دماغ الحشرة؛ حاسمة للتعلم الترابطي، خاصة ذاكرة الشم؛ المجمع المركزي – يدمج المعلومات المكانية، قد يساعد في ذاكرة التنقل؛ الأعصاب الحسية (الفص الهوائي، إلخ) – تعالج المحفزات ولكنها تشارك أيضًا في ذاكرة قصيرة الأمد للإحساسات.أدمغة الحشرات صغيرة ولكنها فعالة. غالبًا ما تُسمى الأجسام الفطرية “مركز التعلم والذاكرة” في دماغ الحشرة، وهي مشابهة في الوظيفة للحُصين 31. على سبيل المثال، في النحل، تكون الأجسام الفطرية مطلوبة لتعلم وتذكر الجمعيات المعقدة (مثل ربط لون الزهرة ورائحتها بوقت من اليوم عندما يتوفر الرحيق). إذا تعرضت الأجسام الفطرية للتلف، لا يمكن للنحل تشكيل ذكريات طويلة الأمد لمثل هذه الجمعيات. ومع ذلك، فإن ذاكرة الحشرات في الغالب إجرائية وترابطية (تتفوق في ربط المحفزات بالنتائج والمسارات بالوجهات). تشير ذاكرة الوقت من اليوم في النحل (معرفة متى تزور زهور معينة) إلى قدرة بدائية على ماذا-أين-متى (الـ"متى” هو وقت اليوم). لكن “متى” لديهم من المحتمل أن يُرمز من خلال الإيقاعات اليومية، وليس استرجاعًا عرضيًا صريحًا. تفتقر الحشرات إلى قشرة أو أي شيء يشبه مركز اللغة، لذا تبقى ذاكرتهم مرتبطة بالمحفزات (يمكن لرائحة أو معلم أن يسترجع ذاكرة الطعام). ومن المثير للاهتمام، أن بعض الحشرات مثل ذباب الفاكهة تظهر مراحل الذاكرة مشابهة للثدييات (ذاكرة قصيرة الأمد، متوسطة الأمد، طويلة الأمد، مع عمليات جزيئية مثل تلك التي نراها في أدمغة الفقاريات). يجعل الحجم الصغير للدوائر العصبية للحشرات منها رائعة لأبحاث الذاكرة – يمكننا بالفعل رسم دوائر الذاكرة خلية بخلايا في الحشرات الأبسط. وبالفعل، وجد العلماء أنه بعد التعلم، تظهر الحشرات تغييرات مشبكية في الأجسام الفطرية تشبه كيف تظهر الثدييات تغييرات مشبكية في الحُصين 32.

على الرغم من الاختلافات، يظهر موضوع: وجدت الطبيعة طرقًا لتخزين واسترجاع المعلومات عبر جميع هذه الأدمغة. سواء كان أخطبوطًا يعزز المشابك في فصه العمودي، أو طائرًا يربط قشرته، أو نحلة تضبط أجسامها الفطرية، فإن الأساسيات – تقوية الروابط للجمعيات المهمة، دوائر متخصصة للملاحة المكانية، إلخ. – تظهر مرارًا وتكرارًا. من المحتمل أن تعكس هذه التشابهات مشاكل حسابية مشتركة: العثور على الطعام، التعرف على الأفراد، التنقل في التضاريس، تعلم ما هو آمن أو خطير – كل ذلك يتطلب ذاكرة.

يمتلك البشر أكثر أجهزة الذاكرة تطورًا، لكن لا ينبغي أن نكون متمركزين حول الأعصاب: بعض الطيور لديها ذاكرة مكانية فوتوغرافية تتجاوز بكثير ذاكرتنا (على سبيل المثال، يتذكر طائر كلاك نوتكركر ما يصل إلى 10,000 موقع مخبأ!)، وبعض الكلاب لديها ذاكرة شبيهة بالدلالية لعشرات من أسماء الأشياء. ومع ذلك، من المثير للاهتمام، أن ذاكرتنا المتعددة الاستخدامات والعامة – بمساعدة القشرة الجبهية واللغة – تتيح لنا القيام بشيء لا تفعله أي نوع آخر: تذكر ليس فقط الأماكن أو المهارات، بل القصص والأفكار. نتذكر الأشياء غير الملموسة (مثل حبكة رواية أو خطوات إثبات حسابي). من المحتمل أن تتطلب هذه القدرة البنية العصبية للتجريد (القشرة) والشبكات اللغوية (الشبكات اللغوية)، التي تفتقر إليها معظم الحيوانات.

أخيرًا، من الجدير بالذكر كيف قد تتدهور الذاكرة بشكل مختلف عبر الأنواع. يشتهر البشر بتجربة تدهور الذاكرة المرتبط بالعمر، خاصة في الذاكرة العرضية (غالبًا ما يبدأ في الستينيات) بسبب التغيرات في الحُصين 17. تظهر العديد من الحيوانات أيضًا شيخوخة معرفية. على سبيل المثال، تصبح القوارض أقل قدرة على تعلم المتاهات في سن الشيخوخة. ومن المثير للاهتمام، كما ذكرنا، يتحدى الحبار هذا الاتجاه – يحتفظ بذكريات شبيهة بالعرضية حادة حتى قبل الموت بقليل 9. لماذا؟ لا يتقدم الفص العمودي لديهم في العمر بنفس الطريقة، ربما لأن لديهم فترات حياة قصيرة وضبط التطور أدمغتهم لـ"استخدامها بالكامل" قبل الشيخوخة السريعة. يمكن للطيور أن تعيش طويلاً (الببغاوات لعقود) وتشير بعض الدراسات إلى أن الطيور الأكبر سنًا يمكن أن تواجه تدهورًا في تعلم الأغاني أو الذاكرة المكانية، على الرغم من أن العديد منها يمكن أن يعوض بالخبرة.

تذكرنا كل هذه الفروق الدقيقة: الذاكرة هي حل بيولوجي لمشكلة بيئية، وكل نوع يحسنها بشكل مختلف. البشر محسنون للمرونة والجمع (نحن عموميون)؛ الأنواع الأخرى للتحديد (نحلة هي سيدة تذكر الزهور، لكنها لا تستطيع تذكر صوت مفترس جيدًا؛ قد يتذكر طائر المسارات بشكل رائع ولكن ليس القواعد المجردة، إلخ.). ندفع ثمن مرونتنا بقدرة أقل ربما في بعض المجالات (ذاكرة مكانية بشرية، ما لم يتم تدريبها بشكل خاص، أسوأ من ذاكرة طائر كلاك نوتكركر). نملأ الفجوات بالأدوات (الخرائط، الكتابة). بطريقة ما، قمنا بتخزين الذاكرة في بيئتنا – شيء لا يفعله أي حيوان آخر.

ما الذي يجعل ذاكرة الإنسان فريدة؟#

لقد رأينا أن الحيوانات تشترك في العديد من اللبنات الأساسية للذاكرة. إذًا، هل ذاكرة الإنسان مجرد “المزيد من نفس الشيء”، أم أنها مختلفة في النوع؟ يجادل العديد من الباحثين بأن بعض الاختلافات النوعية تميز ذاكرة الإنسان، مما يخلق ما يمكن أن نسميه “نظام الذاكرة الذاتية السردية”. دعونا نسلط الضوء على الميزات التي غالبًا ما تُذكر على أنها فريدة (أو على الأقل استثنائية) للبشر:

  • الوعي الذاتي والتأمل الذاتي: كما نوقش، لا يتذكر البشر الأحداث فقط؛ نحن نتذكر تذكرها. يمكننا التفكير في ذكرياتنا (“هل حدث ذلك حقًا أم تخيلته؟”) وندرك أنفسنا في الماضي والحاضر والمستقبل. هذا الوعي الذاتي الزمني هو حجر الزاوية في الذاكرة الذاتية ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهومنا عن الهوية الشخصية (“أنا نفس الشخص الذي…”) 11. تظهر الحيوانات القليل من الأدلة على هذا المستوى من الذاكرة التأملية الذاتية. من المحتمل أنها تفتقر إلى ما أطلق عليه أحد علماء النفس “النتوء التذكاري” – ذلك التوهج الذاتي للسفر عبر الزمن عقليًا. تتميز ذاكرة الإنسان أيضًا بـ إعادة البناء والبصيرة: يمكننا التفكير في ماضينا، واستخلاص استنتاجات جديدة (“الآن أدرك لماذا حدث ذلك!”), شيء لم يلاحظ في الأنواع الأخرى.

  • التنظيم السردي: ينظم البشر الذكريات بشكل طبيعي في سرديات. نخلق جداول زمنية، روابط سببية، ومعنى. يتم تحرير البيانات الخام للتجربة في قصة. قد يعتبر هذا نتيجة ثانوية للغة، ولكن حتى البشر غير اللفظيين (مثل الأطفال الصغار أو الأفراد الصم بدون لغة مبكرة) يبدو أنهم يشكلون سرديات داخلية بمجرد أن يكون لديهم أي نظام رمزي. يوفر السرد هيكلًا – بداية، وسط، نهاية – مما يساعد على الاحتفاظ بالذاكرة ويجعل الذاكرة أكثر من مجموع أجزائها. كما يسمح بنقل الذكريات بين الناس (الثقافة، التاريخ). بينما يمكن للحيوانات أن تتعلم من بعضها البعض من خلال العرض، لا يمكن لأي منها إخبار الآخر عن شيء ليس حاضرًا على الفور. تغذي سردياتنا أيضًا التخطيط: نحن نحاكي سرديات محتملة لما قد يحدث، ونعيش بشكل أساسي “مسبقًا” الحلقات المحتملة لاتخاذ قرار بشأن مسار العمل.

  • الضغط الرمزي وذاكرة الجوهر: يمكن لذاكرة الإنسان أن تضغط حدثًا معقدًا في “جوهر” مبسط أو رمز. على سبيل المثال، قد تلخص إجازة الطفولة بعبارة “الوقت الذي ضللنا فيه في باريس” – عبارة واحدة تمثل نسيجًا غنيًا من التجارب. يمكن تخزين هذا الملخص والتواصل بسهولة. الحيوانات، التي تفتقر إلى مثل هذه العلامات الرمزية، من المحتمل أن تخزن الذاكرة بطريقة أكثر توزيعًا، مجزأة (مشاهد، أصوات، روائح مرتبطة ولكن لا يمكن اختزالها إلى تسمية بسيطة). قدرتنا على التسمية (“كان ذلك خطأ” أو “مغامرة”) تؤثر أيضًا على كيفية تذكرنا وحتى شعورنا بالذاكرة لاحقًا. نحن نميل إلى تذكر معنى أو مغزى الأحداث لفترة أطول من التفاصيل التافهة – ميزة تكيفية جدًا (على سبيل المثال، قد تنسى بالضبط كيف بدا المفترس، لكن تتذكر “لا تقترب من تلك المنطقة – هناك خطر”). بالتأكيد تستخرج الحيوانات الجوهر على مستوى ما (يتعلم الفأر القاعدة العامة للمتاهة، الطائر الموقع العام للأشجار الغنية بالطعام)، لكن البشر يأخذونها إلى أبعد من ذلك، يشكلون مفاهيم صريحة يمكن تطبيقها عبر السياقات.

  • تكامل الذاكرة الدلالية والعرضية: في البشر، تتداخل الذاكرة العرضية والدلالية بشكل غني. غالبًا ما نحول ذكريات التجارب إلى حقائق (“أتذكر قصص الجد عن الحرب” تصبح جزءًا من فهمي الواقعي للتاريخ). نستخدم أيضًا الذاكرة الدلالية (المعرفة) لـ هيكلة استرجاعنا العرضي (“معرفة مفهوم ‘حفلة عيد الميلاد’ يساعدني في تنظيم ذاكرتي لذلك الحدث في عيد الميلاد الخامس”). يعني هذا التفاعل أن كل ذاكرة ليست معزولة؛ إنها تتصل بشبكة واسعة من المعرفة والسرديات. تمتلك الحيوانات ذاكرة أكثر وحدوية: لا تتحول الذكريات الشبيهة بالعرضية بوضوح إلى معرفة عامة أو العكس. تُستخدم ذاكرة طائر الجاي عن التخزين لهذا الغرض المحدد؛ لا تعمم بعد ذلك مفهومًا مثل “القابلية للتلف” بطريقة مجردة تتجاوز المهمة (على الأقل ليس كما يمكننا أن نقول).

  • الذاكرة الثقافية والتخزين الخارجي: ربما يكون الفرق الأكثر عمقًا: البشر يمددون الذاكرة خارج رؤوسهم. الكتابة، الفن، والآن الوسائط الرقمية تعني أننا يمكننا تفريغ التفاصيل والحفاظ على المعلومات عبر الأجيال. هذه ليست ذاكرة بيولوجية بحد ذاتها، لكنها تتفاعل مع ذاكرتنا الفردية (نستخدم التقويمات، اليوميات، الكتب لتكملة أدمغتنا). وجود مخازن الذاكرة الخارجية يغذي – يمكننا تعلم ذكريات الآخرين من السجلات، شيء لا تفعله أي حيوان. هذا يخلق ثقافة تراكمية. كما أنه يقلل من الضغط التطوري على قدرتنا على الذاكرة الخام؛ بدلاً من ذلك، فضلت التطور أولئك الذين يمكنهم التعلم من المصادر الخارجية ومن الآخرين. تمتلك الحيوانات ثقافة (بعض الطيور والرئيسيات تتعلم سلوكيات منقولة اجتماعيًا)، لكنها لا تمتلك سجلات رمزية خارجية. لذلك، تموت ذاكرة كل حيوان إلى حد كبير معه، ويبدأ كل جيل جديد ببعض الغرائز وبعض العادات المتعلمة اجتماعيًا، ولكن لا شيء مثل المكتبات أو قواعد بيانات الإنترنت. يُطلق على هذا الفرق تأثير “العتلة” للثقافة البشرية – المعرفة والذاكرة تتصاعد بمرور الوقت لأننا لا نفقد كل شيء في كل جيل.

تساهم كل هذه العوامل في ما قد نسميه “الذاكرة الذاتية” في البشر – سرد لحياة الفرد. نفسيًا، يرتبط وجود ذاكرة ذاتية بالمعنى والاستمرارية. ليس الأمر أن الحيوانات ليس لديها تواريخ حياة – لديها، وبعض الحيوانات الاجتماعية طويلة العمر (الأفيال، الدلافين) قد تتذكر الرفاق والأحداث الماضية على مدى عقود. لكن حتى لو فعلت، فإنها تفتقر إلى السرد الذاتي الصريح الذي غالبًا ما يعتز به البشر (“قصة حياتي”).

إذن، فإن تفرد ذاكرة الإنسان هو مسألة درجة (نتذكر أكثر، أطول، بشكل أكثر تجريدًا) ومسألة نوع (نتذكر بشكل مختلف، بطريقة واعية ذاتية، سردية). لا يتفق الجميع على حدة هذا التمييز – يحذر بعض علماء الإدراك من أننا قد نقلل من شأن عقول الحيوانات ببساطة لأنها لا تستطيع إخبارنا بتجاربها. ربما يكون لدى الدلفين إحساس بالذات في ذكرياته لا يمكنه التعبير عنه لنا. يجب أن نكون حذرين: غياب الدليل ليس دليلاً على الغياب. ولكن حتى يثبت العكس، فإن الموقف العلمي الافتراضي هو أن البشر لديهم مجموعة من ميزات الذاكرة التي لم يتم إثباتها بشكل قاطع في الأنواع الأخرى.

كمثال مؤثر على كل من التشابه والاختلاف، فكر في الشيخوخة والذاكرة. قد يتذكر إنسان مسن طفولته، ويروي قصصًا مفصلة (مع احتمالية التزيين) – هذا يظهر السرد، الذات، ومنظور الزمن. قد يتعرف كلب مسن بوضوح على مالك قديم بعد سنوات (يظهر ذاكرة طويلة الأمد)، وقد يكون لديه عادات واستجابات عاطفية من فترة الجرو، لكنه لا يستطيع مشاركة أو تأمل تلك الذكريات. عندما تتلاشى الذاكرة العرضية للإنسان (كما في الخرف)، يفقدون ذلك الخيط الذاتي، حتى لو بقيت العادات وبعض المعرفة – يصبحون، بمعنى ما، أشبه بالحيوان الذي يعيش في اللحظة. يبرز هذا المقارنة مدى أهمية الذاكرة العرضية الذاتية لما نعتبره حياتنا العقلية البشرية.

قبل الخاتمة، من المثير للاهتمام ملاحظة زاوية فلسفية: قد يقول داروين إن اختلافات ذاكرتنا هي مسألة درجة، تراكمت لتأثير كبير؛ قد يقول ديكارت إن البشر وحدهم لديهم روح غير مادية تمنحهم تذكرًا حقيقيًا. يقع علم الأعصاب الحديث في مكان ما بين الاثنين – معترفًا بالاستمرارية، ولكنه يعترف أيضًا بالتآزر الخاص للإدراك البشري. كما قال أحد العلماء مازحًا، “المنصة التي يضع البشر أنفسهم عليها من حيث القدرات العصبية تستمر في الانهيار. إنه فقط أن أنواعًا أخرى من الحيوانات تؤدي وظائف مماثلة بطرق مختلفة.” 33 بمعنى آخر، تصل العديد من الحيوانات إلى نفس الأهداف الوظيفية (التذكر، التعلم، اتخاذ القرار) ولكن بوسائل مختلفة. ومع ذلك، فإن الشيطان يكمن في التفاصيل، والتفاصيل – الوعي الذاتي، اللغة، السرد – تحدث كل الفرق في كيفية تجربتنا للذاكرة.


الأسئلة الشائعة#

س 1. هل تمتلك أي حيوانات ذاكرة عرضية حقيقية، أم أنها كلها “شبيهة بالعرضية” في أفضل الأحوال؟ ج. يعتمد ذلك على التعريف. إذا كنا نعني بـ “الذاكرة العرضية الحقيقية” الاسترجاع الذاتي مع إعادة التجربة الواعية، فلا يوجد لدينا دليل واضح على أن أي حيوانات غير بشرية تمتلك ذلك. يمكن للحيوانات أن تتذكر الأحداث (ماذا-أين-متى)، كما هو موضح في الدراسات على طيور الجاي، الفئران، القردة، وغيرها 7 5. يمكن أن تكون هذه الذكريات مفصلة وطويلة الأمد. لكن السؤال الرئيسي هو ما إذا كانت الحيوانات تجرب تلك الذكريات بشكل تأملي. هل لديهم إحساس بـ “أتذكر فعل X”؟ لا يمكننا أن نعرف مباشرة، لكن معظم العلماء يشككون في أن الحيوانات لديها استرجاع عرضي شبيه بالبشر. لذلك، نصنف قدراتهم على أنها “شبيهة بالعرضية”. يجادل البعض بأن القردة العليا أو الدلافين، نظرًا لذكائها، قد تمتلك درجة من الذاكرة العرضية، لكن الأدلة ليست حاسمة. في الوقت الحالي، يبقى البشر النوع الوحيد الذي أظهر أنه يتذكر الأحداث الماضية بينما يكون واعيًا بها كتجارب ماضية (الوعي الذاتي). قد تجد الأبحاث المستقبلية طرقًا ذكية لاختبار هذا المكون الذاتي في الحيوانات، لكنه يمثل تحديًا بدون لغة.

س 2. كيف يختبر العلماء ذاكرة الحيوانات إذا لم تستطع الحيوانات التحدث؟

أ. يصمم الباحثون تجارب سلوكية تعمل كبدائل لاسترجاع الذاكرة. على سبيل المثال، تجربة طائر الجاي هي تجربة كلاسيكية: اختيار الطائر للبحث في موقع معين بعد فترة زمنية معينة يشير إلى أنه تذكر ما خبأه وأين ومتى 7. وبالمثل، قد تتضمن الاختبارات مع الفئران تعريضها لجسم في سياق واحد وجسم مختلف في سياق آخر، ثم رؤية ما إذا كانت تتعرف على عدم تطابق الجسم والمكان لاحقًا (مما يشير إلى أنها تتذكر أي جسم كان في أي مكان في الأصل). نهج آخر هو نماذج السؤال غير المتوقع: تدريب حيوان على توقع شيء واحد، ثم مفاجأته بسؤال مختلف عن الماضي. إذا كان بإمكانه الإجابة، فهذا يشير إلى استخدام مرن للذاكرة. مع القردة، على سبيل المثال، قام الباحثون بأشياء مثل عرض أداة عليها، إخفائها، ثم في وقت لاحق إعطاء فرصة لاستعادتها للاستخدام – نجاح القردة يشير إلى أنها تذكرت موقع الأداة بعد تأخير. بالنسبة لـ التخطيط المستقبلي، تجارب مثل إعطاء الحيوان خيارًا الآن يدفع لاحقًا (مثل أداة للمستقبل، أو مكافأة فورية) تختبر ما إذا كان يمكنه التخطيط للمستقبل. يجب أن تستبعد الاختبارات المعرفية أيضًا التفسيرات الأبسط (مثل القواعد الترابطية أو الإشارات). إنه مجال إبداعي – لأن الحيوانات لا يمكنها إخبارنا بذكرياتها، يجب على العلماء أن يصبحوا “قراء عقول” للحيوانات من خلال التجارب.

س 3. ما هو الوعي الذاتي ولماذا هو مهم؟ أ. الوعي الذاتي هو مصطلح قدمه إندل تولفينغ لوصف القدرة على وضع النفس عقليًا في الماضي (أو المستقبل) والوعي به كتجربة شخصية 11. إنه في الأساس الإحساس بالذات في الزمن – “أتذكر هذا وأعلم أنني أعيش لحظة من ماضي الخاص.” هذا مهم لأنه ما يجعل الذكريات العرضية تبدو “مملوكة” ومعاشة. بدون الوعي الذاتي، قد تتعلم من الأحداث الماضية (تعرف ما حدث)، لكنك لن تحصل على نفس الاتصال الشخصي أو التجربة الغنية. يسمح الوعي الذاتي بأشياء مثل الحنين، الندم، والنمو الشخصي، لأنك تعكس على التجارب كأنها لك. كما أنه مرتبط بقدرتنا على تخيل أنفسنا في سيناريوهات افتراضية (السفر العقلي عبر الزمن إلى المستقبل). في البشر، يُعتقد أن الوعي الذاتي يظهر في الطفولة المبكرة (حوالي سن 4، عندما يبدأ الأطفال في الحديث عن الأحداث الماضية بالتفصيل ويفهمون مفهوم “التذكر”). من المحتمل أن يكون أساسه العصبي يشمل الشبكة الجبهية الجدارية التي تتفاعل مع الحُصين، مما يعطي هذا المنظور الميتا-معرفي (“أنا أتذكر”). لا أحد يعرف بالتأكيد ما إذا كان أي حيوان لديه وعي ذاتي – إنه موضوع نقاش. إذا كان لدى حيوان مستوى معين من الوعي الذاتي (مثل الدلافين التي تتعرف على نفسها في المرايا)، فهل يمكن أن يكون لديهم أيضًا إحساس بـ “لقد فعلت هذا في الماضي”؟ ربما، لكن الأدلة الحالية لم تؤكد ذلك. لذا يظل الوعي الذاتي ظاهرة (ربما) فريدة للبشر بقدر ما يمكننا أن نقول، وهو جزء كبير مما يجعل ذاكرة الإنسان مختلفة بشكل ذاتي.

س 4. هل يمكن للحيوانات تذكر أحداث محددة بعد سنوات؟ أ. نعم، يمكن للعديد من الحيوانات الاحتفاظ بذكريات معينة لفترات طويلة بشكل ملحوظ، على الرغم من أننا يجب أن نستنتج الذكريات من السلوك. أمثلة: لوحظ أن الأفيال تتفاعل بفرح عند لم الشمل مع أفراد (أشخاص أو أفيال أخرى) بعد عقود – مما يشير إلى ذاكرة التعرف على هؤلاء الأفراد. غالبًا ما تتذكر الكلاب أصحابها أو مدربيها السابقين حتى لو لم ترهم لسنوات. يمكن للطيور البحرية العودة إلى الجزيرة التي فقست فيها بعد قضاء سنوات في البحر، مما يشير إلى ذاكرة مكانية طويلة الأمد. الأدلة التجريبية: أظهرت أسود البحر ذاكرة لمهام التدريب بعد عقد من الزمن دون تحديثات. وكما ذكرنا، تتذكر الطيور مثل طيور النوتكرات مواقع التخزين لعدة أشهر. ومع ذلك، غالبًا ما تكون هذه ذكريات لمعلومات مهمة للبقاء (روابط اجتماعية، مواقع الطعام، طرق الملاحة). هل تتذكر الحيوانات أحداثًا غير مهمة لمرة واحدة بعد سنوات؟ ربما لا، مثلما ننسى نحن أيضًا الأشياء التافهة بمرور الوقت. غالبًا ما يرتبط طول عمر الذاكرة بفائدتها وتعزيزها. أيضًا، لا “تراجع” الحيوانات الذكريات من خلال سرد القصص كما نفعل نحن، لذا لكي تستمر الذاكرة، عادة ما تحتاج إلى استخدام دوري. عندما تحتفظ بذاكرة طويلة الأمد، يكون ذلك مثيرًا للإعجاب نظرًا لأنها لا تستطيع كتابتها – كل ذلك في دوائرها العصبية. تظهر بعض الحيوانات أيضًا استرجاعًا معتمدًا على السياق – قد تكشف فقط أنها تتذكر شيئًا ما عندما تكون في سياق مشابه للحدث الأصلي. بشكل عام، نعم، يمكن للحيوانات أن تمتلك ذاكرة طويلة الأمد ممتازة لأنواع معينة من المعلومات، أحيانًا تتفوق أو تتجاوز البشر (خاصة في المهام مثل الذاكرة المكانية). ذاكرتهم، مثلنا، قابلة للخطأ والانتقائية، لكن التطور قد منح العديد من الأنواع القدرة على تذكر ما يهم، طالما أنه يهم.

س 5. ما هو مثال على شيء يتذكره البشر ولا يمكن لأي حيوان آخر أن يتذكره؟ أ. العديد من الأمثلة – في الأساس أي ذاكرة تتضمن تجريدًا معقدًا، أو استدلالًا متعدد الخطوات، أو ميتا-معرفة ستكون فريدة للبشر. على سبيل المثال، يمكننا تذكر القصص (مثل حبكة هاملت أو فيلم) التي لا علاقة لها مباشرة بالبقاء وهي خيالية بحتة – قد يستمتع الحيوان بمشاهدة الحركات على الشاشة لكنه لن يشفر القوس السردي بفهم. نتذكر الأحداث التاريخية التي حدثت قبل قرون من ولادتنا من خلال التعلم في المدرسة – لا يوجد حيوان لديه هذا النوع من الذاكرة عبر الأجيال. نتذكر الكلمات والأرقام: ذاكرتك لرقم هاتفك أو تهجئة كلمة – لا يمكن للحيوانات أن تمتلك ذلك لأن هذه هي مصنوعات ثقافية بشرية. نتذكر أيضًا عمليات التفكير الداخلية الخاصة بنا أحيانًا (مثل “أتذكر أنني كنت أفكر في ما إذا كنت سأغير وظيفتي الصيف الماضي”) – تلك الذاكرة الانعكاسية للفكر هي ميتا جدًا وفريدة للبشر. مثال آخر: يمكن للبشر تذكر الأحلام وتحليلها أو حتى إخبار شخص ما في اليوم التالي – قد تحلم الحيوانات (تتحرك الكلاب وتئن، مما يشير إلى محتوى الحلم)، لكنها لا تتذكر أو تشارك تلك الأحلام لاحقًا. نتذكر المعتقدات والنوايا (“أتذكر أنني كنت أنوي الاعتذار لها – يجب أن أفعل ذلك اليوم”). يتطلب هذا نظرية العقل والإسقاط الذاتي. وبالطبع، نتذكر اللغة نفسها – مثل كلمات الأغاني، القصائد، أو الحجج الفلسفية. هذه ليس لها نظير في عقول الحيوانات. في الأساس، أي شيء يتضمن محتوى قائم على اللغة أو مرجعية ذاتية عميقة هو حصري لنا. على الجانب الآخر، تتذكر الحيوانات بعض الأشياء التي لا يمكننا نحن عادةً – مثل ذاكرة الدلفين الدقيقة لانعكاسات السونار أو ذاكرة الكلب للروائح. لكن تلك هي اختلافات في نوع المحتوى، وليس في التعقيد الهيكلي للذاكرة. أكثر الذكريات البشرية عمقًا هي تلك التي تبني المعنى والهوية: على سبيل المثال، “أتذكر اليوم الذي أدركت فيه ما هي المهنة التي أريدها – لقد غيرت اتجاه حياتي.” هذه ذاكرة متعددة الطبقات (حدث + معنى شخصي + دلالة مستقبلية) لا يمكن لأي حيوان، بقدر ما نعرف، أن يشكلها أو يتأملها.


المصادر#

  1. داروين، تشارلزأصل الإنسان (1871)، الفصل 3. يجادل داروين بأن الفروق بين العقول البشرية والحيوانية هي في الدرجة، وليس في النوع: “لا يوجد فرق أساسي بين الإنسان والثدييات العليا في قدراتهم العقلية.” 1 يقدم داروين أمثلة على الذاكرة الحيوانية، والعقل، والعاطفة لدعم الاستمرارية التطورية.
  2. ديكارت، رينيهخطاب في المنهج (1637) والمراسلات. افترض ديكارت أن الحيوانات تفتقر إلى الأرواح والفكر الحقيقي. استخدم غياب اللغة في الحيوانات كدليل على أنها لا تمتلك العقل أو الذاكرة الواعية: اللغة هي “العلامة الوحيدة المؤكدة للفكر المخفي في الجسم” 2، ولأن الحيوانات “لا تنتج أبدًا شيئًا مثل الكلام التصريحي… [يمكن تفسيره فقط]” بغياب الفكر 3. لذلك اعتبر سلوك الحيوان ميكانيكيًا، بدون استذكار واعي.
  3. كلايتون، ن. س. وديكنسون، أ. (1998) – “ذاكرة شبيهة بالعرضية أثناء استعادة التخزين بواسطة طيور الجاي.” الطبيعة، 395:272–274. أظهرت هذه الدراسة الرائدة أن طيور الجاي الغربية تتذكر ما خبأته من طعام، وأين، ومتى، وتعدل بحثها لتجنب العناصر الفاسدة 7. قدمت أول دليل على ذاكرة شبيهة بالعرضية في حيوان غير بشري، مما يتحدى الفكرة أن استرجاع الأحداث الفريدة في الماضي هو خاص بالبشر 10.
  4. إيكوت، م. ونورمان، ج. (2004)؛ إيكوت، م. وإيستون، أ. (2005) – تجارب متنوعة على الذاكرة الشبيهة بالعرضية في الفئران. على سبيل المثال، أظهر إيكوت وإيستون أن الفئران يمكنها تذكر الأجسام، والسياقات (“أي” موقف)، والأماكن، أي ذاكرة ماذا-أين-أي 34. أظهر فورتين وآخرون (2004) أن استرجاع الذاكرة الشبيه بالاستذكار في الفئران يعتمد على الحُصين 35. تشير هذه الأعمال إلى أن الفئران تشكل ذكريات حدثية متكاملة (وإن كانت غير لفظية) وتستخدم الاستذكار بدلاً من البساطة عندما تتطلب الميزات ذلك 36.
  5. فيراك وآخرون (2015) – “ذاكرة الأحداث العرضية في الفئران: ملفات الذاكرة العرضية الفردية، المرونة، والركيزة العصبية.” مجلة علم الأعصاب، 35(33):7575-87. دراسة حديثة طورت اختبار ذاكرة شبيه بالعرضية للفئران مع مواقف قريبة من نماذج الذاكرة العرضية البشرية. وجدت أن الفئران يمكنها تشكيل ذكريات طويلة الأمد (≥24 يومًا) متكاملة لتجارب فريدة (تركيبات رائحة-مكان-سياق) واسترجاعها بمرونة. الأهم من ذلك، أن تعطيل الحُصين الظهري منع هذا الاستذكار الشبيه بالعرضية 6، واسترجاع الذاكرة شمل شبكة موزعة من الحُصين والجبهة الأمامية 37 – مشابهة للشبكات العصبية في الاستذكار العرضي البشري.
  6. سودندورف، ت. وكورباليس، م. (2007) – “تطور الاستبصار: ما هو السفر العقلي عبر الزمن وهل هو فريد للبشر؟” العلوم السلوكية والدماغية، 30(3):299-351. مراجعة شاملة تجادل بأنه بينما تظهر بعض الحيوانات عناصر من السلوك المستقبلي، لا يوجد دليل مقنع على أنها تمتلك القدرة الكاملة للسفر العقلي عبر الزمن التي يمتلكها البشر 19. يقترح المؤلفون أن البشر تطوروا بشكل فريد القدرة على الانفصال عن حالات الدوافع الحالية وتخيل السيناريوهات المستقبلية والماضية بمرونة. يناقشون الدراسات (طيور الجاي، القردة) ويستنتجون أن هذه يمكن تفسيرها بآليات أبسط أو أنها خاصة بالمجال، في حين أن الاستبصار البشري عام ومتعدد الاستخدامات.
  7. مجلة نوتيلوس (2019) – “اللغة هي السقالة للعقل” بقلم أ. إيفانوفا 26 22. مقال يسهل الوصول إليه يشرح كيف تشكل اللغة الفكر والوعي البشري. يوضح، مع الأبحاث والأمثلة، أن اللغة تسمح لنا باكتساب معلومات لم نكن لنحصل عليها بطريقة أخرى (مثل المفاهيم العددية الدقيقة التي تتجاوز ما يمكننا استيعابه)، وأنها تضغط التجربة البشرية في شكل قابل للتواصل: “كل ثراء التجربة البشرية مضغوط في تسلسل خطي من الكلمات.” 22 في السياق، يدعم هذا فكرة الضغط الرمزي للذكريات وكيف تمكن اللغة التخطيط المجرد ونظرية العقل.
  8. ذا سوايدل (18 أغسطس 2021) – “حتى في الشيخوخة، تتذكر الحبار كل وجبة تناولتها: دراسة” بقلم س. كاليا 38 39. ملخص شعبي للبحث عن ذاكرة الحبار، يستشهد بدراسة كامبريدج في وقائع الجمعية الملكية ب (2021) بواسطة شنيل وآخرون. يلاحظ أن الحبار يمكنه تذكر ما حدث، وأين، ومتى (الوجبات) وأن هذه القدرة لا تتراجع مع العمر 8 9. كما يقارن تشريح دماغ الحبار (لا يوجد حُصين؛ الذاكرة في الفص العمودي أو “الفص الجبهي” النظير) مع البشر 39. بالإضافة إلى ذلك، يقتبس علماء الأحياء الذين يلاحظون كيف أن اكتشافات الذاكرة المتقدمة في الحيوانات تقوض فكرة التفرد العصبي البشري 33.
  9. موسوعة الإنترنت للفلسفة – “عقول الحيوانات” (2019) 2 3. مقالة مرجعية تتضمن وجهات نظر تاريخية. تفصل حجج ديكارت ضد الفكر الحيواني، بما في ذلك حجة اختبار اللغة. الجزء المقتبس يوضح وجهة نظر ديكارت بأن عدم قدرة الحيوانات على استخدام اللغة أو العلامات للتعبير عن الأفكار يعني غياب الفكر (وبالتالي غياب الذاكرة التأملية) في الحيوانات. يوفر السياق لمفهوم ديكارت عن الآلات وكيف استجاب العلماء اللاحقون.
  10. الأجسام الفطرية في الحشرات – درس ستراوسفيلد وآخرون (1998-2018) وغيرهم أدمغة الحشرات. مصدر توضيحي: الجبهات في الدوائر العصبية (2018) يذكر “الأجسام الفطرية في الحشرات (MBs) هي مراكز دماغية مزدوجة والتي، مثل الحُصين الثديي، لها وظيفة بارزة في التعلم والذاكرة.” 31 هذا يبرز التطور المتقارب لأنظمة الذاكرة. في الأساس، MB هو للنحلة ما هو الحُصين للإنسان من حيث تشكيل الذكريات الترابطية (خاصة الشمية). تؤكد مثل هذه الدراسات أن الكائنات البعيدة التطور طورت هياكل عصبية مخصصة لدعم ذاكرة التجارب.

كل من هذه المصادر يعزز أجزاء من لغز الذاكرة المقارنة: من الأسس الفلسفية (داروين، ديكارت) إلى التجارب المخبرية (طيور الجاي، الفئران، الحبار) إلى المناقشات النظرية (السفر العقلي عبر الزمن، اللغة والإدراك). معًا، يرسمون صورة لأنظمة الذاكرة الحيوانية التي يمكن أن تكون مثيرة للإعجاب وحتى مألوفة لنا بشكل خافت، لكن ذاكرة الإنسان – خاصة في معرفتها الذاتية، التواصلية، والإسقاطية – لا تزال تقف كميزة معرفية متميزة، “نواة الإدراك العميق” التي تميز عقولنا حقًا حتى وهي تربطنا بالسلالة الحيوانية.